تفسير سـورة الفاتحة
مقدمة :
بعض أسماء سورة الفاتحة :
الاسم الأول : فاتحة الكتاب .
ويعد هذا أشهر أسمائها ، وقد ثبتت هذه التسمية في السنة في أحاديث كثيرة .
كقوله ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ) متفق عليه ، وقوله ( من صلى صلاة لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج ) رواه مسلم .
وسبب التسمية بذلك : كما قال ابن كثير : لأنها فاتحة الكتابة خطاً وبها تفتتح القراءة في الصلوات .
الاسم الثاني : أم الكتاب ، أم القرآن .
وقد ورد هذا الاسم في السنة في أحاديث كثيرة .
كقوله ( أم القرآن هي السبع المثاني والقرآن العظيم ) رواه البخاري ، وقوله ( الحمد لله رب العالمين أم القرآن ، وأم الكتاب ، والسبع المثاني ) رواه الترمذي .
وسبب التسمية بذلك : أن أم الشيء أصله ، وهي أصل القرآن لاشتمالها على أنواع أغراض القرآن ومقاصده .
قال البغوي رحمه الله : سميت أم القرآن وأم الكتاب ، لأنها أصل القرآن ، منها بدىء القرآن .
الاسم الثالث : السبع المثاني .
وقد ورد هذا الاسم في السنة .
كقول لأبي سعيد بن المعلى ( ألا أعلمنك أعظم سورة في القرآن ، .... الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيتـه ) رواه البخاري .
سبب التسمية : أما السبع ، فلأن آياتها سبع ، وأما وصف النبي لآياتها بالمثاني ، فأرجح الأقوال أنها تثنى في الصلاة ، أي تكرر ، فتكون التثنيـة بمعنى التكرار .
الاسم الرابع : القرآن العظيم .
كما قال ( الحمد لله رب العالمين ، هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته ) .
سبب التسمية : قال القرطبي : سميت بذلك لتضمنها جميع علوم القرآن .
الاسم الخامس : سورة الحمد ، سميت بذلك لأنه ذكر في أولها لفظ الحمد .
الاسم السادس : الصلاة .
وهذا الاسم ثبت بالسنة .
فقد قال (قال تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي ، فإذا قال الحمد لله رب العالمين، قال حمدني عبدي) رواه مسلم .
وقد ذكر الإمام النووي في شرحه على مسلم بعد ذكر الحديث السابق أن المراد بالصلاة الفاتحة ، وعلل تسميتها بقوله : لأنها لا تصح الصلاة إلا بها .
عدد آياتها :
قال ابن كثير : وهي سبع بلا خلاف .
وهي مكية لقوله تعالى ( ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم ) وهذه في سورة الحجر ، والحجر مكية .
ما ورد في فضلها :
سبق بعض الأحاديث في فضلها :
كقوله لأبي سعيد بن المعلى ( ألا أعلمنك أعظم سورة في القرآن ، .... الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيتـه ) رواه البخاري .
وكقوله ( أم القرآن هي السبع المثاني والقرآن العظيم ) رواه البخاري .
وقوله ( الحمد لله رب العالمين أم القرآن ، وأم الكتاب ، والسبع المثاني ) رواه الترمذي .
( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ) .
---------
( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ) أي أستجير بجناب الله من الشيطان أن يضرني في ديني أو دنياي ، أو يصدني عن فعل ما أمرت به ، أو يحثني على فعل ما نهيت عنه ، فإن الشيطان لا يكفه عن الإنسان إلا الله .
( الشيطان ) يحتمل : أن المراد به الشيطان المخصوص وهو إبليس الذي كانت قصته مع أبينا آدم .
ويحتمل : أن المراد به كل شيطان [ كل ما يصدق عليه هذا الاسم أو الوصف ] ، وهذا أصح ، لأنه يدخل فيه الأول ويدخل فيه سائر الشياطين ، ومن المعلوم أن سائر الشياطين يصدون الإنسان عن طاعة الله .
( الشيطان ) مشتق على الصحيح من شَطَـن أي بعُد ، فالشيطان بعيد عن الخير وطباع البشر وعن كل معروف ، وقيل : مشتق من شاط ، لأنه مخلوق من نار ، والأول أصح.
( الرجيم ) صفة للشيطان ، وقد ذكر ابن كثير أنه بمعنى فعيل بمعنى مفعول أي مرجوم ، والرجم أصله الرمي بالحجارة ، والشيطان مرجوم بالقول وبالفعل :
بالقول : بالسب والشتم والذم ويلحق به كل قول قبيح .
وبالفعل : أن رجمه الله أي طرده وأبعده من رحمتـه ، ويرجم بالشهب كما قال تعالى ( ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوماً للشياطين ) وقال تعالى ( إنا زينا السماء الدنيا بزينةٍ الكواكب وحفظاً من كل شيطان مارد لا يسمعون إلى الملأ الأعلى ويقذفون من كل جانب دحوراً ولهم عذاب واصب إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب ) .
وقيل: رجيم بمعنى راجم لأنه يرجم الناس بالوساوس. قال ابن كثير: والأول أشهر وأصح .
الفوائد :
1- مشروعية الاستعاذة دائماً من الشيطان .
2- استحباب الاستعاذة قبل القراءة ، وقد ذهب بعض العلماء إلى وجوبها قبل القراءة لقوله تعالى ( فاستعذ بالله ) .
وذهب جمهور العلماء إلى أن الأمر للاستحباب ، ويدل على عدم الوجوب :
حديث أنس قال النبي ( لقد أنزلت علي سورة آنفاً : بسم الله الرحمن الرحيم . إنا أعطيناك الكوثر ) .رواه مسلم
ولم يذكر الاستعاذة .
ولأن النبي لم يعلمها الأعرابي حين علمـه الصلاة ، وهذا القول هو الصحيح .
3- قوله ( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ) هذه إحدى صيغ الاستعاذة . واختار هذه الصيغة أكثر العلماء ، لأنها الصيغة التي جاءت بالقرآن .
الصيغة الثاني : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ، كما قال تعالى ( فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم ) .
الصيغة الثالثة : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه .
كما في حديث أبي سعيد الذي عند أبي داود عن أبي سعيد الخدري قال: كان رسول الله إذا قام من الليل فاستفتح صلاته وكبر قال ( سبحانك اللهم وبحمدك, وتبارك اسمك وتعالى جدك, ولا إله غيرك ـ ثم يقول ـ أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه ) .
- قال ابن كثير : وقد فسر الهمز بالموتة وهي الخنق ، والنفخ الكبر ، والنفث الشعر [ الشعر المذموم ] .
4- ذهب جماهير العلماء أن الاستعاذة تكون قبل القراءة ، ويدل لذلك :
قوله تعالى ( فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله ) المعنى : إذا أردت القراءة فاستعذ بالله .
قال الشنقيطي في قوله تعالى : فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله : إنه على حذف الإرادة ، أي إذا أردت قراءة القرآن فاستعذ بالله ، والدليل على ذلك تكرر حذف الإرادة في القرآن ، وفي كلام العرب ، لدلالة المقام عليه ، كقوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم .. ) الآية ، أي إذا أردتم القيام إليها . [أضواء البيان : ]
وأيضاً فعل النبي ، فإنه كان يستعيذ قبل القراءة .
وقال بعض العلماء : تكون الاستعاذة بعد القراءة ، على ظاهر الآية ( فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله ) .
والراجح قول الجمهور .
5- الحكمة من الاستعاذة قبل القراءة :
أولاً : أن القرآن شفاء لما في الصدور يُذهب لما يلقيه الشيطان فيها من الوساوس والشهوات والإرادات .
ثانياً : أن الملائكة تدنو من قارىء القرآن وتستمع لقراءته ، والشيطان ضد الملك وعدوه ، فأمر القارىء أن يطلب من الله تعالى مباعدة عدوه عنه .
ثالثاً : أن الشيطان يُجلب بخيله ورجله على القارىء حتى يشغله عن المقصود بالقرآن .
رابعاً : أن الشيطان أحرص ما يكون على الإنسان عندما يهم بالخير أو يدخل فيه .
6- فيه دليل على أن الإنسان ينبغي أن يطلب العون من الله على الطاعة وعلى مجاهدة عدوه .
7- وفيه دليل على اعتراف العبد بالعجز وقدرة الرب .
8- وفيه أنه لا وسيلة إلى القرب من الله إلا بالعجز والانكسار .
9- وفيه الإقرار بالفقر التام للعبد ، والغنى التام لله سبحانه وتعالى .
10- فيه أنه لا نجاة من الشيطان الجني إلا بالاستعاذة ، أما الشيطان الإنسي فكما قال تعالى ( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ) وقال تعالى ( ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم ) .
قال ابن كثير : وهو أن الله تعالى يأمر بمصانعة العدو الإنسي والإحسان إليه ليرده عنه طبعه الطيب الأصل إلى الموالاة والمصافاة ، ويأمر بالاستعاذة به من العدو الشيطاني لا محالة إذ لا يقبل مصانعة ولا إحساناً ولا يبتغي غير هلاك ابن آدم .
( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) .
----------
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) أي ابتدىء بتسمية الله وذكره قبل كل شيء ، مستعيناً به جل وعلا في جميع أموري ، طالباً منه وحده العون ، فإنه الرب المعبود ذو الفضل والجود ، واسع الرحمة كثير التفضل والإحسان ، الذي وسعت رحمته كل شيء ، وعم فضله جميع الأنام .
يستحب للمسلم أن يبدأ قراءة القرآن بالبسملة .
( الله ) علم على ذاته تبارك وتعالى ، وكل الأسماء الحسنة تضاف إليه كما قال تعالى ( هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون هو الله الخالق البارىء المصور له الأسماء الحسنى ) .
وقال ( إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة ) متفق عليه .
ولذلك تقول : الرحمن من أسماء الله ، ولا تقول الله من أسماء الرحمن .
( الله ) لا يعرف أحد تسمى به لا في الجاهلية ولا في الإسلام ، وهو مختص بالله لفظاً ومعنى .
لفظاً : أي أن هذا اللفظ لا يصح أن يسمى به أحد .
ومعنى : أي أن الصفة التي تضمنها هذا الاسم وهي الإلهية لا يصلح شيء منها للمخلوق .
قال بعض العلماء : إنه الاسم الأعظم ، لأنه يوصف بجميع الصفات ، هذا دليل نظري على أن لفظ الجلالة ( الله ) هو الاسم الأعظـم ، أي أن هذه الأسماء جميعاً ترجع إليه لفظاً ومعنى .
لفظاً : أي أن أسماء الله تأتي بعده .
ومعنى : أي أن هذا الاسم يتضمن صفة الإلهية وهي أوسع الصفات .
وقد اختلف العلماء ما هو الاسم الأعظم الذي ورد فيه الحديث ( لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطى) .
فقيل : هو الله .
للعلة التي سبقت وهي أن جميع الأسماء ترجع إليه .
ولأنه الاسم الذي تكرر في الأحاديث الواردة ومنها : أن رجلاً قال ( اللهم إني أسألك أني اشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد فقال : لقد سـألت الله بالاسم الذي إذا سئل به أعطى ) رواه أبو داود .
وكحديث أنس قال ( كنت جالساً مع النبي في المسجد ورجل يصلي فقال : اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السموات ....... فقال رسول الله : دعا الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب ) رواه أبو داود .
ولأن هذا الاسم ما أطلق على غير الله .
وقيل : إن اسم الله الأعظم : الحي القيوم .
واستدل لهذا القول ببعض الأحاديث التي فيها مقال .
وهذان القولان أقوى الأقوال ، والأول أقوى من الثاني .
قوله ( الله ) اختلف هل هو مشتق أم غير مشتق والراجح أنه مشتق .
قال الشيخ حافظ حكمي رحمه الله : واختلفوا في اشتقاقه على أقوال أقواها أنه مشتق من أله يأله إلاهة ، فأصـل الاسم الإله ، ومن أقوى الأدلة عليه قوله تعالى ( وهو الله في السماوات وفي الأرض ) مع قوله عز وجل ( وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله ) ومعناه ذو الألوهية التي لا تنبغي إلا له ) .
والأسماء المشتقة أبلغ من الأسماء الجامدة ، لأن المشتقة تتضمن أوصافاً ، والجامد لا تتضمن صفة .
فكل أسماء الله مشتقـة .
( الرحمن الرحيم ) اسمان مشتقان من الرحمة على وجه المبالغة، والرحمن أشد مبالغة من الرحيم.
لكن ما الفرق بينهمـا :
قيل : الرحمن : ذو الرحمة الشاملة لجميع الخلائق في الدنيا وللمؤمنين في الآخرة ، والرحيم ذو الرحمة الخاصة للمؤمنين يوم القيامة .
واستدلوا بقوله تعالى ( وكان بالمؤمنين رحيماً ) .
وقيل : الرحمن يدل على الصـفة العائدة على الله من الرحمة، والرحيم يدل على تعلقها بالمرحوم، فالرحمن دال على أن الرحمة صفتـه ، والرحيم دال على أنه يرحم خلقه برحمته . وهذا أصح .
ومما يضعف القول الأول قوله تعالى ( إن الله بالناس لرؤوف رحيم ) .
( الرحمن ) على وزن فعلان ، وهي تدل على الامتلاء كما تقول جوعان ، ظمآن .
( الرحمن الرحيم ) اسمان مشتـقان من الرحمة على وجه المبالغة ، ليس المـراد بالمبالغـة هنا الخروج عن الحقيقة لتجاوزها ، وإنما المقصود ما يدل على الكثرة والتعاظـم وما أشبه ذلك .
( الرحمن ) مختص بالله لا يسمى به غيره ولا يعرف أحد تسمى به ، إلا مسيلمة الكذاب ، ولذلك عاقبه الله بالكذاب .
والفرق بين الرحمن والله: الله مختص بالله لفظاً ومعنى ، وأما الرحمن مختص بالله لفظاً لا معنى، فإن المخلوق يوصف بالرحمة .
الفوائد :
1- إثبات اسم من أسماء الله وهو الرحمن المتضمن للرحمـة الواسعة .
فرحمة الله واسعة : قال تعالى ( ورحمتي وسعت كل شيء ) .
ورحمته سبقت غضبه : كما قال ( إن الله لما خلق الخلق كتب في كتاب عنده : إن رحمتي تغلب غضبي ) متفق عليه .
والله أرحم بعباده من الأم بولدها . كما في حديث عمر أنه قال ( قدم على رسول الله بسبي ، فإذا امرأة من السبي تبتغي ، إذ وجدت : أترون هذه المرأة طارحـة ولدها في النار ؟ قلنا : لا والله ، وهي تقدر على أن لا تطرحـه ، فقال رسول الله : الله أرحم بعباده من هذه بولدها ) متفق عليه .
2- تنال رحمة الله بأمور :
أولاً : رحمة الناس . كما قال ( إنما يرحم الله من عباده الرحماء ) متفق عليه .
ثانياً : المحسنين . قال تعالى ( إن رحمت الله قريب من المحسنين ) .
ثالثاً : طاعة الله ورسوله . قال تعالى ( وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمـون ) .
رابعاً : السماحة في البيع والشراء .
قال رسول الله : رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى . رواه البخاري .
خامساً : عيادة المريض .
قال رسول الله : من عاد مريضاً خاض في الرحمة .
سادساً : قيام الليل وإيقاظ الأهل .
قال رسول الله: رحم الله رجلا قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته ، فإن أبت نضح في وجهها الماء.
سابعاً : الحلق في النسك .
قال رسول الله : اللهم ارحم المحلقين ثلاثاً .
ثامناً : مجالس الذكر .
قال رسول الله : ( لا يقعد قوم يذكرون الله إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة .... ) . رواه مسلم
تاسعاً : الجلوس في المسجد .
قال رسول الله: إن الملائكة تستغفر للمصلي مادام في مصلاه تقول: اللهم اغفر له اللهم ارحمه .
عاشراً : سماع حديث الرسول وتبليغه .
قال رسول الله : رحم الله من سمع مني حديثاً فبلغه كما سمعه ، فرب مبلغ أوعى من سامع . رواه ابن حبان .
فائدة :
وقد اختلف العلماء في البسملة في أول السور هل هي من السورة أم لا ؟
فقيل : هي آية من سورة الفاتحة ، ومن كل سورة .
وهذا مذهب الشافعي .
لحديث أنس قال ( بينما رسول الله ذات يوم بين أظهرنا بالمسجد ، إذ أغفى إغفاءة ، ثم رفـع رأسه مبتسماً فقلنا : ما أضحكك يا رسول الله ؟ فقال : نزلت علي آنفاً سورة ، فقرأ : بسم الله الرحمن الرحيم ، إنا أعطيناك الكوثر . فصل لربك وانحر . إن شانئك هو الأبتر ) رواه مسلم .
وقيل : ليست من الفاتحة ولا من أول سورة بل هي آية مستقلة نزلت للفصل بين السور .
وهذا مذهب الحنفية واختيار ابن تيمية .
لحديث أبي هريرة . قال : سمعت رسول الله يقول ( قال تعالى : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل ، فإذا قال العبد : الحمد لله رب العالمين ، قال الله : حمدني عبدي ، ... ) رواه مسلم .
فالرسول بدأ بقوله : الحمد لله رب العالمين ، دون بسم الله الرحمن الرحيم ، ولو كانت البسملة من الفاتحة لبدأ بها لا بالحمد .
ولحديث أبي هريرة . قال : قال رسول الله (إن سورة من القرآن من ثلاثين آية شفعت لرجل حتى غفر له وهي: تبارك الذي بيده الملك ) رواه الترمذي .
فالرسول ذكر أن مقدار سورة الملك ثلاثون آية ، وقد اتفق القراء وغيرهم على أنها ثلاثون آية سوى البسملة ، ولو كانت منها لكانت إحدى وثلاثين ، وهو خلاف قول الرسول .
وهذا القول هو الصحيح .
فائدة الخلاف: أن من قال أنها آية من أول كل سورة قال بوجوب قراءتها قبل الفاتحة في الصلاة، لأنها إحدى آياتها ، ومن لم يقل بأنها آية من أول كل سورة لم يقل بذلك .
( الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِين ) .
----------
(الْحَمْدُ للّهِ ) ثناء من الله على نفسه سبحانه وتعالى ، وأمر بذلك عباده فقال تعالى مخاطباً لنبيه خطاباً يدخل فيه جميع أمته ( وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها ) .وقال تعالى (قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى) .
الحمد وصف المحمود بالكمال مع المحبة والتعظيم .
الحمد لله : الألف واللام للاستغراق فجميع المحامد كلها لله ، ومن أسمائه الحميد ، قال ابن القيم :
وهو الحميدُ فكل حمدٍ واقع أو كان مفروضاً مدى الأزمان
ملأ الوجودَ جميعَه ونظيرَه من غير ما عدٍّ ولا حُسْبـان
هو أهله سبحانَه وبحمده كل المحامد وصف ذي الإحسان
قال بعض العلماء : إن الحمد هو الثناء على الله ، وهذا قول ضعيف لأن الرسول قال ( قال تعالى : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي ، فإذا قال الحمد لله ، قال : حمدني عبدي ، وإذا قال : الرحمن الرحيم : قال : أثنى علي عبدي ..... ) رواه مسلم ، ففرق بين الحمد والثناء ، فالصحيح أن الثناء هو تكرار الحمد .
الفوائد :
1- وجوب حمد الله ، فالله يحمد على أسمائه الحسنى وصفاته العلى ، وله الحمد على نعمه الظاهرة والباطنة وله الحمد في الأولى والآخرة، وأعظم نعمه إرسال محمد رحمة للعالمين كما قال تعالى (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) .
قال ابن القيم :
ومن أعظم نعمه علينا وما استوجب حمد عباده له ، أن يجعلنا عبيداً له خاصة ولم يجعلنا ربنا منقسمين بين شركاء متشاكسين ، ولم يجعلنا عبيداً لإله نحـتـته الأفكار ، لا يسمع أصواتنا ولا يبصر أفعالنا ولا يعلم أحوالنا ولا يملك لعابديه ضراً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً ، ولا تكلم قط ولا يتكلم ولا يأمر ولا ينهى .
ومما يحمد الله عليه :
خلق السماوات والأرض .
قال تعالى ( الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ... ) .
وعلى دخول الجنة .
قال تعالى ( وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين ) .
( وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور ) .
وعلى صفات الكمال كالوحدانية وغيرها .
قال تعالى ( وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيراً ) .
إنزال الكتاب .
قال تعالى ( الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا ) .
وعلى ما له في السماوات والأرض .
قال تعالى ( الحمد لله الذي له ما في السماوات والأرض ) .
2- إثبات الحمد الكامل لله ، وإثبات الحمد الكامل يقتضي ثبوت كل ما يحمد عليه من صفات كماله ونعوت جلاله ، إذ من عدم صفات الكمال فليس بمحمود على الإطلاق ، وغايته : أنه محمود من وجه دون وجـه ، ولا يكون محموداً من كل وجه وبكل اعتبار بجميع أنواع الحمد إلا من استولى على صفات الكمال جميعها ، فلو عدم منها صفة واحدة لنقص من حمده بحسبه .
3- قال بعض العلماء إن هذه الكلمة ( الحمد لله ) كلمة كل شاكـر ويدل لذلك :
قول أهل الجنة ( الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن ) .
وبقول نوح عليه السلام ( الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين ) .
وبقول أهل الجنة أيضاً ( الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ) .
وبقول إبراهيم عليه السلام ( الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق ) .
وبقول داود وسليمان عليهما السلام (الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين).
4- الحمد هل هو مرادف للشكر أم بينهما تغاير ، اختلف العلماء في ذلك على أقوال :
فقيل : بمعنى واحد .
وهذا اختيار ابن جرير الطبري .
وقيل : ليسا بمعنى واحد . وبه قال جماعة .
قال ابن تيمية : والحمد نوعان ، حمد على إحسانه إلى عباده وهو من الشكر ، وحمد لما يستحقه بنفسه من نعوت كماله، وهذا الحمد لا يكون إلا لمن هو في نفسه مستحق للحمد.
فالحمد أعم من الشكر .
قال ابن عطية : الحمد معناه الثناء الكامل ، وهو أعـم من الشكر ، لأن الشكر إنما يكون على فعل جميل يسدى إلى الشاكر ، والحمد المجرد هو ثناء بصفات المحمود من غير أن يسدي شيئاً .
وقال الزمخشري : الشكر لا يكون إلا على نعمـة ، وأما الحمد فهو المدح والوصف بالجميل وهو شعبة واحدة من شعب الشكر .
5- استنبط بعض العلماء من قول ( الحمد لله ) أن من أسماء الفاتحة : الحـمد ، وسميت بذلك لأنه ذكر في أولها لفظ الحمد ولم تنفرد هذه السورة بافتتاحها بلفظ الحمد ، إنما يشترك معها أربع سور من سور القرآن وهي سورة الأنعام ، والكهف وسبأ وفاطر ، ولكن أطلق هذا الاسم بالغلبة على سورة الفاتحة ، فإذا قلنا : سورة الحمد ، فالمتبادر إلى الأذهان أن المقصود بها هي سورة الفاتحة لا غيرها من السور .
6- جاءت أحاديث في فضل الحمد لله .
قال ( الحمد لله تملأ ما بين السماء والأرض ) رواه مسلم .
وقال ( أفضل الذكر : لا إله إلا الله ، وأفضل الدعاء الحمد لله ) رواه الترمذي .
( رَبِّ الْعَالَمِينَ ) .
----------
( رب العالمين ) الرب هو المالك المتصرف المعبود المدبر لشؤون خلقه المربي لهم بالنعم الظاهرة والباطنة .
قال الشيخ السعدي رحمه الله : وتربيته تعالى لخلقه نوعان : عامة وخاصة :
فالعامة : هي خلقه للمخلوقين ، ورزقهم ، وهدايتهم لما فيه مصالحهم التي فيها بقاؤهم في الدنيا .
والخاصة : تربيته لأوليائه ، فيربيهم بالإيمان ، ويوفقهم له ، ويكملهم ، ويدفع عنهم الصوارف ، والعوائق الحائلة بينهم وبينه ، وحقيقتها : تربية التوفيق لكل خير ، والعصمة من كل شر .
العالمين : اختلف ما المراد بالعالمين على أقوال :
قيل : كل موجود سوى الله ، وهذا قول قتادة ورجحه القرطبي وابن كثير .
وقيل : أهل كل زمان عالم لقوله تعالى ( أتأتون الذكران من العالمين ) أي من الناس .
وقيل : الجن والإنس ، لقوله تعالى ( ليكون للعالمين نذيراً ) .
وقيل : العالَم عبارة عما يعقل وهم الإنس والجن والملائكة والشياطين .
والصحيح الأول ، لأنه شامل لكل مخلوق وموجود ، ودليله قوله تعالى ( قال فرعون وما رب العالمين . قال رب السموات والأرض وما بينهما ) .
العالمين : جمع عالَم ، قيل : مأخوذ من العَلامة ، لأنهم عَلمٌ على خالقهِم وصانعهم ، وهذا هو الصحيح .
وقيل : مأخوذ من العِلم ، لأن هذا الخلق لا يصدر إلا عن علم ومعرفة بأحوالهم .
العالمين : تطلق أحياناً ويراد به الإنس والجن كما قال تعالى ( تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً ) وأحياناً تطلق على البشر كقوله تعالى ( أتأتون الذكران من العالمين ) .
الفوائد :
1- فيه دليل على انفراده سبحانه بالخلق والتدبير ، وتمام فقر العالمين إليه .
2- قال بعض العلماء : واعلم أن تربيته تعالى مخالفة لتربية غيره ، وبيانه من وجوه :
الأول: أنه تعالى يربي عبيده لا لغرض نفسه، وغيره يربون لغرض أنفسهم لا لغرض غيرهم.
الثاني: أن غيره إذا ربى فبقدر تلك التربية يظهر النقصان في خزائنه وفي ماله وهو متعال عن النقصان والضرر ، كما قال تعالى : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) .
الثالث: أن غيره من المحسنين إذا ألح الفقير عليه أبغضه وحرمه ومنعه ، والحق تعالى بخلاف ذلك ، كما قال :
( إن الله تعالى يحب الملحين في الدعاء ) .
الرابع: أن غيره من المحسنين ما لم يطلب منه الإحسان لم يعط ، أما الحق تعالى فإنه يعطي قبل السؤال ، ألا ترى أنه رباك حال كنت جنيناً في رحم الأم ، وحال ما كنت جاهلاً غير عاقل ، لا تحسن أن تسأل منه ، ووقاك وأحسن إليك مع أنك ما سألته وما كان لك عقل ولا هداية .
الخامس: أن غيره من المحسنين ينقطع إحسانه إما بسبب الفقر أو الغيبة أو الموت، والحق تعالى لا ينقطع إحسانه البتة .
السادس: أن غيره من المحسنين يختص إحسانه بقوم دون قوم ولا يمكنه التعميم ، أما الحق تعالى فقد وصل تربيته وإحسانه إلى الكل ، كما قال : ( وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ) .
فثبت تعالى أنه رب العالمين ومحسن إلى الخلائق أجمعين ، فلهذا قال تعالى في حق نفسه : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) .
3- أنه يجب الخضوع والرجوع إلى الله في كل شيء لأنه هو خالقنا ومدبرنا .
4- وجوب شكر الله على خلقه وتدبيره للعالم .
5- أنه لا يستحق الربوبية إلا من اتصف بصفات الكمال ، فكل آلهة غير الله فهي ناقصة .
( ٱلرَّحْمـٰنِ ٱلرَّحِيمِ )
----------
سبق شرحهمـا .
قال القرطبي : إنما وصف نفسه بالرحمن الرحيم بعد قوله: رب العالمين؛ ليكون من باب قرن الترغيب بعد الترهيب؛ كما قال تعالى ( نَبِّىءْ عِبَادِى أَنِّى أَنَا ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِى هُوَ ٱلْعَذَابُ ٱلأَلِيمُ ) وقوله تعالى ( إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ ٱلْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ) ، فالرب فيه ترهيب، والرحمن الرحيم ترغيب. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ولو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة، ما طمع في جنته أحد، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة، ما قنط من رحمته أحد ) .
( مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدِّينِ )
----------
( مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدِّينِ ) أي هو سبحانه وتعالى المالك للجزاء والحساب المتصرف في يوم الدين الذي هو يوم الجزاء والحساب تصرف الملك في ملكه .
فالملك الحقيقي لله وحده لا يشركه فيه أحد ، فالمخلوقات لا تملك شيئاً ، وقد أنكر تعالى على المشركين الذين عبدوا هذه المخلوقات التي هي مثلهم في الضعف والعبودية لله وأنها لا تملك من السماوات والأرض شيئاً ولا مثقال ذرة ولا تنفع أحداً ولا تضره .
قال تعالى (ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقاً من السموات والأرض شيئاً ولا يستطيعون).
وقال سبحانه ( قل ادعوا الذين زعمتـم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير ) .
وقال تعالى ( والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير ) .
يوم الدين : أي يوم الجزاء ، والدين في القرآن يطلق على معنيين :
الأول : بمعنى الجزاء كما في هذه الآية ، وكما قال تعالى ( إنا لمدينون ) وكما قال تعالى ( يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ) .
والثاني : العمل ، كما في قوله تعالى ( لكم دينكم ولي الدين ) .
مالك يوم الدين : جاء في قراءة ( ملك ) وقد اختلف العلماء أيهما أبلغ مالك أو ملك.
قال الشوكاني : فقيل : إن ملِك أعمّ وأبلغ ، إذ كل ملك مالك ، وليس كل مالك ملك ، ولأن أمر الملك نافذ على المالك في ملكه حتى لا يتصرف إلا عن تدبير الملك ، قاله أبو عبيد والمبرد ورجحه الزمخشري .
وقيل : مالك أبلغ لأنه يكون مالكاً للناس وغيرهم ..... ثم قال الشوكاني : والحق أن لكل واحد من الوصفين نوع أخصية لا يوجد في الآخر ، فالمالك يقدر على ما لا يقدر عليه الملك من التصرفات بما هو مالك له بالبيع والهبة والعتق ونحوها ، والملِك يقدر على ما لا يقدر عليه المالك من التصرفات العائدة إلى تدبير الملك وحياطته ورعاية مصالح الرعية ، فالمالك أقوى من الملك في بعض الأمور ، والملك أقوى من المالك في بعض الأمور ، والفرق بين الوصفين بالنسبة إلى الرب سبحانه أن الملك صفة لذاته والمالك صفة لفعله .
وقال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله : وفي الجمع بين القراءتين فائدة عظيمة ، وهي أن ملكه جل وعلا ملك حقيقي ، لأن من الخلق من يكون ملكاً ، ولكن ليس بمالك ، يسمى ملكاً اسماً وليس له من التدبير شيء ، ومن الناس من يكون مالكاً ولا يكون ملكاً كعامة الناس ، ولكن الرب جل وعلا مالك ملك .
الفوائد :
1- قوله تعالى (مالك يوم الدين) ومثل هذه الآية : قوله تعالى (وله الملك يوم ينفخ في الصور). وقوله تعالى ( الملك يومئذ لله يحكم بينهم ) . وقال سبحانه ( الملك يومئذ الحق للرحمن ) . وقال تعالى ( يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء لمن الملك اليوم لله الواحد القهار).
2- تخصيص الملك بيوم الدين لا ينفيه عما عداه ، لأنه قد تقدم الإخبار بأنه رب العالمين ، وذلك عام في الدنيا والآخرة ، وإنما أضيف إلى يوم الدين لأنه لا يدعي أحـد هنالك شيئاً ولا يتكلم أحد إلا بإذنه كما قال تعالى
( يوم يقوم الروح والملائكة صفاً لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا ) . [ تفسير ابن كثير : 1 / 40 ]
3- حث للإنسان على أن يعمل ويستعد لذلك اليوم الذي يجازى كل إنسان بعمله .
4- إثبات يوم القيامة والجزاء والحساب .
قوله تعالى ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ )
----------
( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) قال ابن كثير : أي لا نعبد إلا إياك ، ولا نتوكل إلا عليك ، وهذا هو كمال الطاعة, والدين كله يرجع إلى هذين المعنيين ، ..... فالأول تبرؤ من الشرك ، والثاني تبرؤ من الحول والقوة والتفويض إلى الله عز وجل .
قال الشيخ السعدي : أي نخصك وحدك بالعبادة والاستعانة .
قال ابن القيم : وكثيراً ما كنت أسمع شيخ الإسلام ابن تيمية يقول ( إياك نعبد ) تدفع الرياء ( وإياك نستعين ) تدفع الكبرياء ، ثم قال ابن القيم : فدواء الرياء ( إياك نعبد ) ودواء الكبر بـ( إياك نستعين ) .
العبادة تعريفها باعتبار المفعولات ( الأعمال المتعبد بها ) : اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنـة .
وباعتبار فعل العبد : الانقياد لله عز وجل والخضوع له .
( وإياك نستعين ) قال ابن القيم : والاستعانة تجمع أصلين : الثقـة بالله ، والاعتماد عليه ، فإن العبد قد يثق بالواحد من الناس ولا يعتمد عليه في أموره – مع ثقته به – لاستغنائه عنه ، وقد يعتمد عليه – مع عدم ثقته به – لحاجته إليه ولعدم من يقوم مقامه ، فيحتاج إلى اعتماده عليه مع أنه غير واثق به .
وقال الشيخ السعدي : والاستعانة هي : الاعتماد على الله في جلب المنافع ، ودفع المار ، مع الثقـة به في تحصيل ذلك .
الفوائد :
1- قوله تعالى ( إياك نعبد وإياك نستعين ) قدم العبادة على الاستعانة ، لعدة أسباب :
لأن ذلك من باب تقديم الغايات على الوسائل ، إذ العبادة غاية العباد التي خلقوا لها ، والاستعانة وسيلة لها .
ولأن إياك نعبد قسم الرب ، فكان من الشطر الأول ، وإياك نستعين قسم العبد فكان من الشطر الذي يليه .
ولأن العبادة المطلقة تتضمن الاستعانة من غير عكس ، فكل عابد لله عبودية تامة مستعين به ولا ينعكس .
ولأن الاستعانة جزء من العبادة من غير عكس .
ولأن الاستعانة طلب منه ، والعبادة طلب له .
ولأن العبادة لا تكون إلا من مخلص ، والاستعانة تكون من مخلص وغير مخلص .
2- يكون العبد محققاً للعبودية بأمرين :
الأول : متابعة الرسول .
الثاني : الإخلاص لله تبارك وتعالى .
والعبودية تنقسم إلى قسمين :
عبودية عامة : وهي عبودية أهل السموات والأرض كلهم لله ، برهم وفاجرهم ، مؤمنهم وكافرهم ، قال تعالى ( إن كل من في السموات والأرض إلا آت الرحمن عبداً ) .
عبودية خاصة : وهي التي أصحابها ذللوا أنفسهم لله تعالى واستكانوا لأوامره ، قال تعالى : ( واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب ) .
3- أتى بضمير الجمع في قوله تعالى : ( إياك نعبد وإياك نستعين ) والحكمة كما قال ابن القيم : الإتيان بضمير الجمع في الموضع أحسن وأفخم ، فإن المقام مقام عبودية وافتقار إلى الرب تعالى ، وإقرار بالفاقة إلى عبوديته واستعانته وهدايته ، فأتى به بصيغة ضمير الجمع أي نحن معاشر عبيدك مقرون لك بالعبودية ، وهذا كما يقول العبد للملك المعظم شأنه : نحن عبيدك ومماليكك وتحت طاعتك ولا نخالف أمرك ، فيكون هذا أحسن وأعظم مـوقعاً عند الملك من أن يقول : أنا عبدك ومملوكك .
4- فيه وجوب الإخلاص في عبادة الله .
5- يجب على المسلم أن يطلب العون من الله في جميع أموره .
قال الشيخ السعدي : وذكر الاستعانة بعد العبادة مع دخولها فيها ، لاحتياج العبد في جميع عباداته إلى الاستعانـة بالله تعالى ، فإنه إن لم يعنـه الله ، لم يحصل له ما يريده من فعل الأوامر واجتناب النواهي .
6- فيه استحباب طلب العون من الله تبارك وتعالى .
وقد كان رسول الله يقول ( رب أعني ولا تعن علي ) رواه الترمذي .
وعلم معاذ فقال له ( لا تدعن دبر كل صلاة أن تقول : اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ) رواه أبو داود .
( ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ ) .
----------
( ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ ) أي دلنا وأرشدنا ، ووفقنا إلى الصراط المستقيم ، وهو الطريق الواضح الموصل إلى الله وإلى جنته .
الهداية تعريفها : معرفـة الحق والعمـل به ، فلا يكفي معرفة الحق دون العمل به ، فالكثير من الناس يعرفون الحق ولا يعملون به، واليهود يعرفون صدق محمد ولم يتبعوه.
قوله تعالى ( الصراط المستقيم ) اختلف في المراد بالصراط المستقيم: فقيل: هو الإسلام. وقيل : هو القرآن . وقيل : محمد وصاحباه .
قال ابن كثير : وكل هذه الأقوال صحيحة وهي متلازمة .
وقال الشوكاني : وجميع ما روي في تفسير هذه الآية يصدق بعضه بعضاً ، فإن من اتبع الإسلام أو القرآن أو النبي فقد اتبع الحق .
قال ابن جرير : وإنما وصفه الله بالاستقامة ، لأنه صواب لا خطأ فيه ، وقد زعم بعض أهل الغباء أنه سماه مستقيماً لاستقامته بأهله إلى الجنة ، وذلك تأويلٌ لتأويل جميع أهل التفسير خلاف ، وكفى بإجماع جميعهم على خلافه دليلاً على خطئه . [ تفسير الطبري : 1 / 87 ] .
قال ابن كثير : فإن قيل : فكيف يسأل المؤمن الهداية في كل وقت من صلاة وغيرها وهو متصف بذلك ؟
فالجواب : أن المراد الثبات والاستمرار على الأعمال المعينة .
وفيما قاله رحمه الله قصور ، فإن الهداية أعم من ذلك .
قال ابن القيم : فإن المجهول لنا من الحق أضعاف المعلوم .
وما لا نريد فعله تهاوناً وكسلاً مثل ما نريده أو أكثر منه أو دونه ، وما لا نقدر عليه – مما نريده – كذلك ، وما نعرف جملته ولا نهتدي لتفاصيله فأمر يفوته الحصر .
وأيضاً للهداية مرتبة أخرى وهي الهداية يوم القيامة إلى طريق الجنة وهو الصراط الموصل إليها.
ومن ذلك الهداية إلى العلم والتعلم ، فكم من الناس لا يسلكون طريق العلم وطلبه ، وكم من الناس سلكوا هذا الطريق ولم يستمروا عليه .
وكم ممن تعلم ولم يفوق ، بل يقال له : ليتك ثم ليتك ما علمتَ .
وكم من الناس من ينشغل بالمفضول عن الفاضل ، وينشغل بالمباحات والإكثار منها .
وأيضاً نحتاج للهداية في الأمور المستقبلية ، فالمسلم بحاجة إلى سؤال الهداية في كل لحظة ، فالأمور والعوارض والقضايا الدينية والدنيوية تمر عليه كل ساعة ، فهو بحاجة إلى معرفة الحق فيها .
وأيضاً المسلم بحاجة للهداية عند احتـضاره وفي قبره قال تعالى ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي والآخرة ) .
وأيضا بعد موته في يوم القيامة ثم إلى منزله في الجنة قال تعالى ( والذين قتلوا في سبيل الله سيهديهم ويصلح بالهم ويدخلهم الجنة عرفها لهم ) أي سيهديهم إلى الجنة وإلى أماكنهم فيها .
الفوائد :
1- فيه دليل على استحباب سؤال الله الهداية دائماً وأبداً ، فإن المسلم محتاج لها .
وكان رسول الله يقول ( اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى ) رواه مسلم .
وكان يقول في صلاة الليل ( ... اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم ) رواه مسلم
وعلم الحسن أن يقول في دعاء قنوت الوتر ( اللهم اهدني فيمن هديت ) رواه أبو داود .
وجاء أعرابي للرسول فقال ( يا رسول الله علمني كلاماً ؟ .. الحديث وفيه ثم قال الأعرابي هؤلاء لربي فما لي ؟ قال : قل اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني ) . رواه مسلم
وعن أبي مالك قال ( كان رسول الله يقول : اللهم اغفر لي وارحمني واهدني ) .رواه مسلم
وعن علي . قال : قال لي رسول الله ( قل اللهم اهدني وسددني ) .رواه مسلم
2- يجب على المسلم أن يحذر من أي أمر يعوقـه عن الهداية .
قال ابن القيم : ” ولينظر إلى الشبهات والشهوات التي تعوقه عن سيره على هذا الصراط ، فإنها الكلاليب التي بجنبتي ذاك الصراط ، تخطفه وتعوقه عن المرور عليه “ .
3- نستفيد أن من أسباب الهداية دعاء الله بذلك ، لأن الله أمرنا بذلك بقوله : ( اهدنا الصراط ).
وكان يقول ( يا مقلب القلوب ثبت قلبي على طاعتك ) ، وهو الرسول الذي قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر .
4- دليل على أنه يستحب للداعي أن يقدم بين دعائه ثناء على الله بالتوحيد والثناء .
قال ابن القيم : ولما كان طالب الهداية إلى الصراط المستقيم أجل المطالب، ونيله أشرف المواهب، علم الله عباده كيفية سؤاله ، وأمرهم أن يقدموا بين يديه حمده والثناء عليه وتمجيده ، ثم ذكر عـبوديتهم وتوحيدهم ، فهاتان وسيلتان إلى مطلوبهم ، توسلٌ إليه بأسمائه وصفاته ، وتوسل إليه بعبوديته ، وهاتان الوسيلتان لا يكاد يرد معهما الدعاء .
5- أن الطريق الحق المستقيم واحد لا غير كما قال تعالى ( وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعـوه ) .
قال ابن القيم : وذكر الصراط المستقيم منفرداً ، لأنه صراط واحد ، وأما طرق أهل الغضب والضلال فإنه سبحانه يجمعها ويفردها كقوله ( وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه . ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ) فوحد لفظ الصراط وسبيله ، وجمع السبل المخالفة له . وقال ابن مسعود ( خط لنا رسول الله خطاً ، وقال : هذا سبيل الله ، ثم خط خطوطاً عن يمينه وعن يساره، وقال: هذه سبل ، وعلى كل سبيل شيطان يدعو إليه، ثم قرأ قوله تعالى (وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) “ .
6- قال ابن القيم : فمن هدي في هذه الدار إلى صراط الله المستقيم ، الذي أرسل به رسله ، وأنزل به كتبه ، هدي هناك إلى الصراط المستقيم ، الموصل إلى جنته ودار ثوابه ، وعلى قدر ثبوت العبد على هذا الصراط الذي نصبه الله لعباده في هذه الدار ، يكون ثبوت قدمه على الصراط المنصوب على متن جهنم ، وعلى قدر سيره على هذا الصراط يكون سيره على ذاك الصراط .
7- يجب على المسلم أن يفعل الأسباب التي تعينه على السير على الصراط المستقيم .
( صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ ) .
----------
( صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ ) المعنى : أي اهدنا ووفقنا للصراط المستقيم الذي هو : صراط الذين أنعمت عليهم ، من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ( غير ) صراط ( المغضوب عليهم ) الذين عرفوا الحق وتركوه كاليهود ونحوهم و(لا) صراط (الضالين) الذين تركوا الحق على جهل وضلالة كالنصارى ونحوهم .
هؤلاء المنعم عليهم هم المذكورون في قوله تعالى ( ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً ).
في ذكر الله تبارك وتعالى المنعم عليهم – وهم من سبق ذكرهم في الآية السابقة من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين – فائدة ذكرها ابن القيم حيث قال :
ولما كان طالب الصراط المستقيم طالب أمر أكثر الناس عنه ناكبون ، مريداً لسلوك طريق مـرافقُه في غاية القلة والعزة ، والنفوس مجبولة على وحشة التفرد ، وعلى الأنس بالرفيق ، نبه سبحانه وتعالى على الرفيق في هذه الطريق ، ليزول عن الطالب للهداية وسلوك الصراط وحشة تفرده عن أهل زمانه وبني جنسه ، وليعلم أن رفيـقه في هذا الصراط : هم الذين أنعم الله عليهم ، فلا يكترث بمخالفة الناكبين عنه له ، فإنهم هـم الأقل قدراً وإن كانوا هم الأكثرين عدداً .
وصف اليهود بالغضب والنصارى بالضلال .
قال الشنقيطي : واليهود والنصارى وإن كانوا ضآلين جميعاً مغضوباً عليهم جميعاً ، فإن الغضب إنما خص به اليهود ، وإن شاركهم النصارى فيه ، لأنهم يعرفون الحق وينكرونه ويأتون الباطل عمداً فكان الغضب أخص صفاتهم ، والنصارى جهلة لا يعرفون الحق فكان الضلال أخص صفاتهم .
وقال ابن القيم : ولكن تارك العمل بالحق بعد معرفته به أولى بوصف الغضب وأحق به ، ومن ههنا كان اليهود أحق به ، والجاهل بالحق أحق باسم الضلال ، ومن هنا وصف النصارى به .
الفوائد :
1- فيه أن أعظم النعم على العبد أن يوفقه الله لسلوك طريق الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين .
2- قوله تعالى ( أنعمت عليهم ) ولم يقل : المنعم عليهم كما قال : المغضوب عليهم .
قال ابن القيم :
أولاً : أن هذا جاء على الطريقة المعهودة في القرآن ، وهي أن أفعال الإحسان والرحمة والجود تضاف إلى الله سبحانه وتعالى ، فيذكر فاعلها منسوبة إليه ، فإذا جىء بأفعال العدل والجزاء والعقوبة حذف الفاعل وبني الفعل معها للمفعول أدباً في الخطاب .... ومنه هذه الآية فإنه ذكر النعمة فأضافها إليه ولم يحذف فاعلها ، ولما ذكر الغضب حذف الفاعل وبنى الفعل للمفعول ، ونظيره قول إبراهيم الخليل ( الذي خلقني فهو يهدين والذي هو يطـعمني ويسقين وإذا مرضت فهو يشفين ) فنسب الخلق والهداية والإحسان بالطعام والسقي إلى الله ، ولما جاء إلى ذكر المرض قال ( وإذا مرضت ) ولم يقل : أمرضني ، ومثل قوله تعالى حكاية عن مؤمني الجن ( وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشداً ) .
ثانياً : أن النعمة بالهداية إلى الصراط لله وحده، وهو المنعم بالهداية دون أن يشركه أحد في نعمته، فاقتضى اختصاصه بها أن يضاف إليه بوصف الإفراد فيقال : أنعمت عليهم ، أي أنت وحدك المنعم المحسن المتفضل بهذه النعمة ، وأما الغضب فإن الله سبحانه غضب على من لم يكن من أهل الهداية إلى هذا الصراط ، وأمر عباده بمعاداتهم ، وذلك يستلزم غضبهم عليهم موافقة لغضب ربهم عليهم، واليهـود قد غضب الله عليهم، فحقيق بالمؤمنين الغضب عليهم، فحذف فاعل الغضب، وقال : المغضوب عليهم لما كان للمؤمنين نصيب من غضبهم على من غضب الله عليه بخلاف الإنعام فإنه لله وحده . [ مدارج السالكين: 1 / ]
3- المغضوب عليهم : هم اليهود ، والضالون : هم النصارى ، كما في الحديث من قوله ( اليهود مغضوب عليهم والنصارى ضالون ) رواه الترمذي .
4- ينبغي على المسلم أن يحذر من سـلوك طريق اليهود والنصارى ، لأن الله حذر منهما ، فيجب على المسلم أن يحذر كل الحذر .
قال ابن تيمية رحمه الله : ولما أمرنا الله سبحانه وتعالى ، أن نسأله في كل صلاة أن يهدينا الصراط المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، المغايرين للمغضوب عليهم وللضالين ، كان ذلك مما يبين أن العبد يخاف عليه أن ينحرف إلى هذين الطريقين ، وقد وقع ذلك كما أخبر به حيث قال : لتسلكن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة ، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتمـوه ، قالوا : يا رسول الله ! اليهود والنصارى؟ قال: فمن ؟ وهو حديث صحيح . [ الفتاوى : 1 / 56 ]
5- ذكر الله تعالى انقسام الناس وأنهم ينقسمون إلى ثلاثة أقسام ، المنعم عليهم – وهم من عرف الحق واتبعه – والمغضوب عليهم – وهم من عرفه واتبع هواه – والضالين – وهم من جهله – فالناس لا يخرجون عن هذه الأقسام الثلاثة .
6- يجب بغض ومعاداة اليهود والنصارى .
؛؛؛ والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد ؛؛؛